ا.د./ ناصر أحمد سنه
كاتب وأكاديمي في جامعة القاهرة.
مؤخراً.. توصل فريق من الباحثين بجامعة "استراليا الغربية" بقيادة العالم "مارك كريجان" لكشف علمي مفاده أن:"لبن الأمهات يحتوي علي خلايا جذعية..الأمر الذي يُعد اكتشافاً ثورياً ومفصلياً في حلقة الأبحاث الخاصة بالخلايا الجذعية"(1). فما هي مدلولات هذا الكشف العلمي من منظور إسلامي؟.
تُعد الخلايا الجذعية Stem Cells (أو الجذرية أو الخلايا الأولية أو الأساسية أو المنشأ) خلايا غير متخصصة/ غير مكتملة الانقسام/ لاتقوم بوظيفة محددة، بل هي قادرة ـ تحت ظروف مناسبةـ على التخصص Specialization والأنقسام Division/ التكاثر Reproduction لتكوين خلايا بالغة من أي عضو من أعضاء الجسم (كخلايا القلب، والبنكرياس، والعضلات والكبد، والخلايا العصبية والجلدية الخ)، وبالتالي يمكن اعتبارها نظام "بناء وإصلاح وتجديد" للجسم. وهذا يعني ان الأنسجة المختلفة بالجسم يمكن أرجاع أصلها إلي هذه الخلايا ولذا أطلق عليها هذا الأسم (Stem Cells). والذي يشير إلي أنها "أصل" الخلايا أو الأنسجة.
وهذه الخلايا ـ والتي تم عزلها للمرة الأولى لدى الإنسان عام 1998ـ هي نوعان: خلايا جذعية جنينيةُ (ESC) Embryonic Stem Cells تستخرج من الأجنة نفسها، وهي مثار مشكلة إخلاقية/ علمية كبيرة، وخلايا جذعية بالغة Multipotent stem cells (Adult stem cells) تستخرج من مختلف خلايا الجسم مثل النخاع العظمي والرئة والقلب والعضلات وغيرها. والجدير بالذكر أن الخلايا الجذعية كانت تستخرج من نخاع العظام أو من السقط أو المشيمة أو من الحبل السرى (2).
|
الخلايا الجذعية وتمايزها إلى مختلف الأنسجة المتخصصة |
التوجيهات الإلهية.. للخلايا الجذعية
ثمة "توجيهات" إلهية للخلايا الجذعية عبر خواصها الكامنة ومقدرتها Potency التي تفتح لها مجالا من الخيارات والتمايز، وفي هذا الشان يمكن تمييز الأنواع التالية:
- خلايا جذعية كاملة القدرات Totipotent وهي التي تنتج من اندماج البويضة مع النطفة. والخلايا التي تنتج من الإنقسامات الأولى للبيضة المخصبة تكون عادة كلية الخيارات. يمكن لها ان تتمايز إلى انماط خلوية جنينية و خارج جنينية extraembryonic cell .
- خلايا جذعية وافرة القدرات Pluripotent وهي أنسال الخلايا كاملة القدرات ، يمكن لها أن تتمايز لخلايا من الطبقات الجنينية المنتشة .
- خلايا جذعية متعددة القدرات Multipotent : يمكن لها أن تنتج خلايا من نفس العائلة من الخلايا مثلا الخلايا الجذعية مولدة الدم Hematopoietic يمكن لها التمايز إلى خلايا دموية حمراء او بيضاء أو صفيحات.. الخ .
- خلايا احادية القدرات Unipotent يمكن ان تنتج نوع وحيد من الخلايا لها القدرة على تجديد نفسها مما يميزها عن الخلايا اللاجذعية.
والخلايا الجذعية تعتمد بدورها على ما يسمى بـ"العمر الجنيني" للجسم. فهناك الخلايا الجذعية التي يصرفها الله تعالي بقدرته لصنع أي شيء.. ثم هناك الخلايا الجذعية "الكـُلية القدرة" التي يوجهها ـ تعالت حكمته ـ لصنع اكثر أنواع الانسجة. ثم هناك "الخلايا الجذعية البالغة" التي تتكاثر لتصنع نسيجا خاصا للجسم (مثل الكبد او نخاع العظم او الجلد..الخ). ومع كل خطوة نحو البلوغ، فان النجاحات التي تحققها الخلايا الجذعية تكون أضيق، أي انها تقود الى التخصص. وفي مرحلة البلوغ، لا توّلد خلايا الكبد إلا خلايا كبد أخرى، وخلايا الجلد تنتج خلايا جلد أخرى الخ. يقول تعالي: "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ"(القمر:49)
مصدرا هاما لفهم الخطوات التفصيلية الدقيقة والمعقدة
والعلم عبر دراسته للخلايا الجذعية وتطورها إلي خلايا متخصصة يمكنه التعرف علي مراحل تنقل الجنين من طور إلي طور من خلال "منظور جزيئي"، يقول جل شأنه:"خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ(الزمر:6). فهذا " المنظور الجزيئي" يتعرف علي تلك الخلايا غير المتخصصة التي تنتهي بأكثر من 220 نوعا متخصصاً من الخلايا الموزعة في نُسج الجسم المختلفة. وذلك وفق ما يعطي الله تعالي لها من "التنبيه المناسب لكل نمط خلوي نوعي: "إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(النحل: 40). وإذا لم يعط أي منبه تمايزي محدد، تستمر الخلايا الجذعية بالانقسام حيث تبقي كل خلية متولدة/ ابنة Daughter cell متعددة الخيارات.
فبسبب قدرتها الانقسامية اللامحدودة تلك، وتعدد خياراتها.. تعتبر الخلايا الجذعية الجنينية مصدرا هاما لفهم الخطوات التفصيلية الدقيقة والمعقدة التي تحدث خلال نمو وخلق الإنسان. وذلك مثل التعرف على العوامل التي تهيمن على عملية وديناميكية "اتخاذ القرارات" في الخلية، والتي تؤدي إلى تخصص الخلية. كما تشكل ـ بالإضافة إلي ذلك ـ جانبا حيوياً للعديد من الأفكار حول "الطب الاستبدالي" وتغيير الأعضاء بعد أذيتها أو مرضها.
وتشير الدراسات إلي ان المشيمة (المسئولة عن الأمداد الدموي والغذائي للجنين فترة الحمل) تمد الجنين أيضا بمصدر من هذه الخلايا الجذعية. وهي تسلم وظيفتها تلك ـ فور الولادة ـ للغدد الثديية المكونة للبن الرضاعة.
ومن تقدير الله تعالي وحكمته البالغة، أن جعل الوليد/ الرضيع مُهيأ بجهازه الهضمي ليسمح بمرور هذه الخلايا الجذعية قبل انغلاق ما يسمي بالحاجز المعوي الدموي Intestinal Blood Barrier مما يعمل علي نمو وبناء وتوجيه وتطوير جسمه في أن معاً.